الأحد، أكتوبر 18، 2009

وطــــن مفـــــروش



أعجبني لـ حسين البربري

حسين البربري : بتاريخ 17 - 10 - 2009
البعض أصبح يتعامل مع هذا الوطن وكأنه وطن بالمفروش يمكن أن يتركه ليسكن غيره في أي لحظة أو يتعامل معه وكأنه وطن معروض في مزاد يباع بالكيلو.. ولو لم يتذوق من لحمه يضع له السم ليموت.. أو يتعامل مع هذا الوطن وكأنه لوحة سريالية ليس لها معالم ولا يفهم منها إلا الشخابيط !!
فهذه المقدمة ليست إلا وحيا من الصورة الضبابية التي صنعها المستغلون من فوبيا المواطن من فيروس أنفلونزا الخنازير. فلم يكتف ساكن الوطن بالمفروش أن يروا حالة الذعر المنقوشة والمحفورة على وجوه المواطنين بل أرادوا المشاركة الفعالة من فوق ظهور نعاجهم وأغنامهم المصابة بالوهن ورفعوا سيف عدم الحياء ليضاعفوا من فصول دراما أنفلونزا الخنازير فصلا أخر من إبداع عقولهم المريضة وإخراج نفوسهم الضعيفة. لذا كان هناك عدد من النماذج تم رصدها وكان يجب التنويه عليها. لأن هذه النماذج من بيننا لذا وجب الكلام.
فعند بدء الأزمة خرجت بعض الصيدليات لتؤكد علنا إن الوطن بالنسبة لها ليس إلا حقنة "مورفين" أو "بنج "يعطي للناس ليذهبوا في غيبوبة
وقد أجادوا أداء المشهد الأول من دراما المواطن المصري. لقد استغلت هذه الصيدليات الأزمة وقررت المتاجرة في هلع الناس وباعوا "كمامات" يفترض أن تكون واقيا من انتشار فيروس أنفلونزا الخنازير بضعف ثمنها الحقيقي إلى أن وصلت لعشرة جنيهات.
ورغم سعرها المرتفع إلا أن جودتها أسوأ من ضمائر بائعيها. وابتكر البعض فكرة وجدوها هي الأخرى مربحة.. لماذا لا نصنع مطهرا لليد ؟ !! . فعلا. قامت بعض الصيدليات التي تناست شرف مهنتها بتركيب مسحوق أشبه بالصابون وابعد ما يكون بالمطهر الطبي ووضعوه في زجاجات" شيك" وأطلقوا عليه" ليسيون" لتطهير اليد وعندما لاقى هذا الصابون رواجا بين تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات رفعت تلك الصيدليات ثمنه للضعف !. فالمشكلة انه لم يعد هناك من وجهة نظر المستغلين الذين يتعاملون مع وطنهم كأنه وطن بالمفروش شيء مهم من اجله يغيرون مسارهم من مستأجرين إلى مالكين.
لقد أصبح المواطن المصري يقف في العراء كأعمدة الكهرباء يتحمل الضغط العالي بدون " آآآه" . ولم يكن بعض الصيادلة هم الفئة الوحيدة التي تتعامل مع الوطن بالمفروش. لكن هناك أيضا الأطباء البشريين الذي هبط على بعضهم فيروس أنفلونزا الخنازير كهدية من السماء فقد أيقن هؤلاء هلع المواطنين وخوفهم على أنفسهم وعلى أولادهم لأنهم قرأوا جيدا المشهد المرعب للمواطن المصري وعرفوا انه سيهرول إليهم بمجرد ظهور ارتفاع في درجة الحرارة أو كحة أو عطس. لذا رفع البعض تسعيرته طبقا لمكتب تنسيقهم _ اقصد_ التوزيع الجغرافي لمكان عيادته.. وقد جاء في كتاب كليلة ودمنة. قال ذئب مضياف لحمل مسكين: هل تريد أن تشرف منزلنا بالزيارة ؟. فأجاب الحمل: كم كان فخري بزيارتك عظيما لو لم يكن منزلك في معدتك.بهذا المبدأ الميكافيلي استغل أيضا تجار الفاكهة الأزمة وقاموا هم الآخرون برفع أسعار الفاكهة من تلقاء أنفسهم دون خوفا من رقابة أو محاسبة. فهم يظنون وظنهم به شيئا من الصواب إن الفاكهة غنية بالمضادات الحيوية القادرة على مكافحة الفيروسات والأمراض.
فقد تناسوا الكارثة ووجدوها فرصة لزيادة " كروشهم" و " قروشهم" وتناسوا الوباء الذي ربما يصل إليهم في أية لحظة لكنهم سدوا آذانهم وتذكروا فقط المقولة الانتهازية الشهيرة " اللي تغلب به.. العب به" ونأتي إلى أكثر المستغلين خطورة وأوسعهم انتشارا ألا وهم صانعي مناديل "الكيلينكس" المغشوشة والمعبأة تحت بير السلم .لقد انتشرت في الأسابيع الماضية تلك المصانع وأمطرت القاهرة والأقاليم بمناديل مظهرها الخارجي سيئ ومحتواها أسوأ وذلك بعد تحذيرات وزارة الصحة بان العطس بدون مناديل يسبب في انتشار العدوى فخرجت هذه المصانع من جحور وشقوق " الفهلوة" وضمت إليها فريقا من المتسولين يبيعون هذه المناديل مقابل أي صدقة وكذا أطفال الشوارع الذين يبيعونها في إشارات المرور وعلى المقاهي والمدهش إن هذه المصانع ومندوبيها الدائمين في شوارع مصر رفعوا شعار " اللي يصعب عليك.. يفقرك"
فالوطن أصبح بين قوسين كلمة لا تثير الشجن ولا تقشعر لها الأبدان. فأصبح هناك من يدلله ويطلق عليه " وطنطن" !! ويكون تحية في الأفراح الشعبية_ سمعني السلام الجمهوري_ وهناك من يظن أن الوطن امرأة ترتدي جلبابا ويجب أن تعاقب باستمرار مع أول خطا !.. وكم من المضحكات التي نراها عندما تكون هناك كارثة. فالآية تنقلب فجأة. فتحاكم النملة الفيل والأرنب يتحدث عن قدرته في التهام قطيع الذئاب.. وهاهم المدرسون خرج من بينهم من يشوه صورتهم في هذه الأزمة. وأعلنوا أنهم من متخصصي المكسب السريع ولتذهب المبادئ في البحر. وفى بداية دخول المدارس رأى هؤلاء " نحتاية" بلغة " الألتية" ستعود بالنفع من هذه الكارثة فرفعوا زيادة أتعابهم من الدروس الخصوصية مستغلين خوف أولياء الأمور من التجمعات الطلابية لتصل الحصة الواحدة إلى مائة وأحيانا مائتي جنيه في الساعة الواحدة.. واعتقد أن مثل هؤلاء المدرسين لم يقفوا أمام ضمائرهم ولو مرة واحدة في حياتهم وحاسبوها. لذا أصبحت ضمائرهم مجمدة كما يجمد سرطان البحر داخل شباك الصياد من الخوف. لقد أصبح ضمائرهم كشراع مهلهل على مركب بدون مجداف.
لقد أصبحنا نعيش بين أسنان العاصفة ولم يعد لنا قيمة إلا والتهمناها مثل البيتزا أو طبق الفول المدمس. الصيدلي والمدرس والطبيب والتاجر والمهندس وغيرهم شركاء في هذا المجتمع. والحكومة على طول الخط أصبحت صامتة .. مكسورة الجناح أدمنت موهبة التجاهل مهما كانت قيمة ما يكتب ويسمع ويرى وصنعت " ودنا من طين والأخرى من عجين" ووضعت رأسها في الرمال وتركت ظهرها مكشوفا بلا غطاء. وعندما تحل الأزمات نجد الفئران تخرج على رائحة العفن تدعي أنها عليمة بخبايا الأمور وهي لا تعرف ابعد من انفها.



ليست هناك تعليقات: